تحليل وآراء

طارق شاهين يكتب: هزة الأسواق الأخيرة

أنصح بقراءة كتاب بعنوان “أنت تسميها طماطم” وكاتبه مدير استثمار إنجليزي مخضرم اسمه أليستار موندي – وكان زميلاً في العمل في الماضي – حيث يسرد قصصاً من خبرته الواسعة وآراء حول كيفية تكوين نظرة مستقبلية مستقلة والنظر للتقييم السوقي لأي استثمار.

وما يذكرنا اليوم بالسيد موندي هو أنه ومَن شاطروه الرأي حول احتمالية أن تكون بعض التقييمات السوقية مبالغاً فيها لم يجدوا الكثير من المستمعين في دوائر من استمروا في شراء الأسهم الأمريكية والتي استمرت في الصعود عبر أكثر من عقد مضى ووصلت الأسهم فيها لمستويات عالية، مستفيدةً بشكل أو بآخر من مناخ أسعار الفائدة المتدنية، ومعدلات نمو الاقتصاد الأمريكي، مع حالة من التفاؤل العام.

نجد في الهزة التي تشهدها الأسواق العالمية حالياً – وهي ليست الأولى خلال أكثر من عقد زمني كان الاتجاه العام فيها صعودياً – مناسبة لدراسة العوامل التي ساعدت على استمرار صعود الأسواق – لا سيما سوق الأسهم الأمريكي – ولنتساءل عما إذا كان الهبوط هذه المرة ذا طابع مختلف.

فسوق الأسهم الأمريكي – وهو محل اهتمام بسبب حجمه وأدائه القوي في السنوات الأخيرة – هبط بنسبة -17% منذ بداية العام حتى تاريخه. ولكنه رغم ذلك ما زال قد حقق عائداً كلياً تخطى الـ 265% خلال عشر سنوات. أي أن استثمار مئة دولار على سبيل المثال قد تضاعف ثلاث مرات حتى إن ظل المبلغ مستثمراً أثناء الهبوط الأخير هذا العام. أو بلغة المستشارين الماليين، فإن تأثير الهبوط هذا العام يقلل من العائد السنوي خلال الفترة إلى حوالي 14% بدلاً من 16.5% مع العلم بأن عائد الـ 14% يفوق عوائد أي استثمار آخر في شهادات البنوك أو في أدوات الدخل الثابت في نفس الفترة.

ارتفاع أسعار الفائدة

وهنا يأخذنا الحديث لمسألة اتجاه أسعار الفائدة ودورها البارز في دفع أداء الأسواق المالية، كما وصفها الخبير الاقتصادي الدكتور محمد العريان ببراعة في كتابه “اللعبة الوحيدة في المدينة”. أصبح من المعلوم لدى الجميع مدى ارتباط سوق الأسهم الأمريكي بأسعار الفائدة لدى البنك الفيدرالي، لذا لن نبالي بتوضيح هذا الارتباط في رسم بياني، ولكن نرى أنه من الأفضل أن نضع ارتفاع سعر الفائدة الأخير في سياق معدلات التضخم الحالية وفي سياق أسعار الفائدة في الماضي وتحديداً في الفترة التي سبقت العقد الزمني المنصرم.

من الواضح لنا أن الإبقاء على ما يسمى عائد حقيقي سلبي أصبح بمثابة سياسة لدى البنك الفيدرالي. فقد يعتزم البنك تقليل الفجوة من حين لآخر إن ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، ولكن أي سياسة تسمى “بالانكماشية” هي في الواقع لن تسفر عن سعر فائدة “معقول” بالمعايير الاقتصادية المعتادة إلا إذا فرض المستثمرون على الحكومة الأمريكية هذا. وذلك لما يشكله من خطر على خدمة الدين العام والخاص وتأثيره على قيم صناديق الاستثمار التي يعتمد عليها المتقاعدون وعلى قوة الاقتصاد نفسه.

وليس من المرجح أن يفرض المستثمرون هذا على صانع القرار الأمريكي لأن الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياطي النقدي في العالم (رغم بعض المحاولات الأخيرة من قوى دولية في الشرق لتقليل الاعتماد عليه) وبالتالي فإن الطلب على الدولار لا يتأثر كثيراً إن قل العائد عليه (في شكل أدوات الدخل الثابت مثلاً). وأكبر دليل على هذا هو قوة الدولار المستمرة عبر سنوات بالنسبة لليورو على سبيل المثال رغم تفوق البلاد الأوروبية من حيث حجم صافي الصادرات على الولايات المتحدة بشكل ملحوظ.

وقد لا نتفق مع هذه السياسة النقدية، بل قد نتفق مع الدكتور محمد العريان حين طالب بأنهاء هذا الاعتماد على أسعار الفائدة المتدنية، ولكننا أمام تاريخ واضح لا ينذر بتغيير كبير في الأفق (مع العلم بأن التضخم الأخير يرجع أسبابه بشكل كبير الى مشاكل في حجم المعروض وليس فقط حجم الطلب) حتى إذا علت أصوات المعلقين على اتجاه البنك الفيدرالي الجديد وافتراض تغيير سياسته العامة كما يعتقد البعض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى