عبد المحسن سلامة يكتب: «تصحيح مسار» التريليون جنيه سنوياً!

أكثر من تريليون جنيه سنوياً هى قيمة الواردات المصرية التى يتم استيرادها من الخارج، مما كان يستلزم معه ضرورة إعادة النظر فى كيفية ترشيد تلك المبالغ الضخمة فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى الطموح الذى تتبناه الدولة منذ نحو 6 سنوات، والبدء فى مرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الاقتصادى قوامها ترشيد الاستيراد العشوائى، ودعم الصناعة الوطنية، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب.
لا شك أن نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى كان وراء قدرة الدولة المصرية على مواجهة جائحة «كورونا» وتداعياتها الخطيرة على الاقتصادات العالمية، وانعكس ذلك فى أن يكون الاقتصاد المصرى واحدا من أعداد قليلة من الاقتصادات العالمية، لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، نجحت فى تحقيق نمو إيجابى بعد أن تجاوزت النمو السلبى الذى غرقت فيه معظم الدول الأخرى.
تعافى الاقتصاد المصرى من جائحة «كورونا» جاء سريعاً، مما حافظ على تصنيف مصر الائتمانى «B2»، والإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة، وهو ما انعكس على ثقة المؤسسات الدولية فى صلابة وقدرة الاقتصاد المصرى، والإشادة به كنموذج فى الصمود ضد جائحة “كورونا”، والتعافى السريع منها.
فى الأسبوع الماضى، وعقب اجتماع الحكومة فى مقرها الجـديد بالعاصمة الإدارية الجديدة، عقد د.مصطفى مدبولى مؤتمرا صحفيا مهما، أعلن فيه أن الاقتصاد المصرى حقق نموا فى الربع الأول من العام المالى الحالى 9٫8٪، وفى الربع الثانى 8٫3٪، وبهذا يكون متوسط نمو النصف الأول من العام المالى الحالى 9٪.
ذكرنى هذا الرقم بمعدلات النمو فى سنوات ما قبل 2011، وتجاوزه لتلك المعدلات على الرغم من مواجهة الاقتصاد المصرى «تحديات جسام» بعد 2011، ثم جاءت جائحة «كورونا» لتزيد المتاعب والأوجاع، وتضرب الاقتصادات العالمية بعنف وبلا هوادة.
أعتقد أن كلمة السر التى وقفت وراء كل تلك النجاحات الاقتصادية هى خطة الإصلاح الاقتصادى التى تبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2016، وأصر عليها، فكانت البداية لعمل اقتصادى شاق ودءوب على مدى السنوات الست الماضية، استرد فيها الاقتصاد المصرى عافيته على الرغم من تحديات «كورونا» التى لم تكن فى «الحسبان» عالميا ومحليا، وهبطت على البشرية كلها تحصد الأرواح، وتدمر الاقتصادات بلا هوادة.
مرة ثانية، وبعد نجاح تحدى إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادى فى 2016، ظهرت «براعة» الرئيس عبدالفتاح السيسى فى التوازن بين «الإغلاق المحسوب»، لمواجهة الجائحة، واستمرارية دوران عجلة العمل والإنتاج، واتخذ القرار السليم بعدم توقف العمل والإنتاج مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية، وهو التحدى الذى نجحت فيه مصر على مستويين:
المستوى الأول: هو المستوى الصحى، حيث نجح النظام الصحى المصرى فى التعامل مع الجائحة، ولم نشهد انهيار النظام الصحى كما حدث فى دول أخرى أكثر تقدمًا، اقتصاديا وصحيا، وظل النظام الصحى المصرى قادرًا على التماسك والصمود فى مواجهة الأزمة، ولم تدخل مصر فى أى مرحلة من مراحل انتشار الوباء ضمن المناطق الأكثر خطورة.
المستوى الثانى: هو المستوى الاقتصادى، وفيه نجحت مصر فى الحفاظ على معدلات النمو الإيجابى للاقتصاد المصرى، حيث بلغ نحو 3.6% فى 2020، وهو عام الجائحة، ولم تشهد مصر أزمات كارثية حادة مثلما حدث فى العديد من بلدان العالم مثل اختفاء السلع أو ارتفاع الأسعار بشكل جنونى.
هذا النجاح كان محط اهتمام وثقة المؤسسات الاقتصادية الدولية التى أشادت بما تحقق، وتوقعت استمرار ارتفاع معدلات النمو، لتصل إلى 5.5% خلال العام الحالى.
المفاجأة السارة، التى أعلنها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، الأربعاء الماضى، هى تجاوز الاقتصاد المصرى نسبة النمو المتوقعة، وهى 5.5%، وارتفاعها إلى أكثر من 6%، وهو ما يجعل نسبة نمو الاقتصاد المصرى الأعلى من نوعها على مستوى العالم.