الاقتصاد اليوم

أزمة باكستان الاقتصادية والسياسية تفرّخ “سوقاً سوداء” للعملة

العملة الباكستانية واحدة من أسوأ العملات أداءً على مستوى العالم خلال عام 2022

ما يزال سعر شراء الدولار، يُعرض في مكاتب الصرافة في كراتشي الباكستانية، كما هي العادة، لكن عند محاولة شراء العملة الأميركية، سيقول العاملون إنَّه لم يتبقَ لديهم أي شيء منها، بحسب ما نقله موقع “اقتصاد الشرق” عن وكالة “بلومبيرغ”.

عند التحقيق أكثر في الأمر، ستظهر قصة مختلفة، فما تزال هناك وسائل للحصول على الدولار، كما يقول العديد من الصرّافين، لكنَّها تكلّف حوالي 10% أعلى من السعر المعلن.

ظهرت سوق سوداء للدولار في باكستان، بعد أن قيّد البنك المركزي الباكستاني الحصول على العملات الأجنبية للمحافظة على احتياطياته المتضائلة. يضاف نقص العملات الأجنبية وظهور سوق موازية إلى قائمة طويلة من المشكلات التي تواجه الدولة الواقعة في جنوب آسيا، والتي عانت بالفعل من فيضانات مدمرة، وأزمة اقتصادية، واضطرابات سياسية تحوّلت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف.

قال عصمت الله، الرئيس التنفيذي لـ “رافي إكستشينغ كومباني” (Ravi Exchange Company Pvt)، وهي شركة صرافة مقرّها لاهور: “لقد تطوّرت سوق ثالثة الآن، وأصبحت كبيرة جداً”، مشيراً إلى أنَّ أول سوقين هما سوق الصرف الأجنبي بين البنوك، وشركات الصرافة.

لم يرد البنك المركزي الباكستاني فوراً على طلب للتعليق.

لقد كان عاماً صعباً بالنسبة إلى باكستان المصنّفة عند مستوى مرتفع المخاطر، إذ أسفرت الفيضانات عن مقتل أكثر من 1700 شخص، وتسبّبت في حدوث أضرار بمليارات الدولارات.

وواجهت الحكومة احتجاجات حاشدة بقيادة رئيس الوزراء السابق عمران خان، وهي تكافح لسداد الديون، حيث تعدّ العملة واحدة من أسوأ العملات من حيث الأداء على مستوى العالم خلال عام 2022.

ودفع استنفاد مخزون العملات الأجنبية بشكل سريع البنك المركزي إلى تقييد المدفوعات الخارجية، وخفّض مبلغ العملة الأجنبية الذي يمكن لأي شخص أن يحمله إلى خارج البلاد بمقدار النصف إلى 5000 دولار، الأمر الذي يربك المسافرين دولياً.

وقال خورام شهزاد، الرئيس التنفيذي لـ “ألفا بيتا كور سوليشنز” (Alpha Beta Core Solutions) ومقرها كراتشي، وهي شركة استشارات مالية: “كلما فرضت سياسات تقييدية؛ تنتعش السوق الرمادية”.

وأوقفت “غوغل” التابعة لشركة ” ألفابيت” السداد من خلال “بلاي ستور” التابع لها الشهر الماضي، بعد أن لاحظت تأخيراً في السداد لعمليات الشراء التي تُجرى من خلال التطبيق.

وتعرضت الوحدات المحلية لشركتي صناعة السيارات “هوندا موتورز”و”تويوتا موتور” للإغلاق لأسابيع عدة خلال 2022، لعدم قدرتها على استيراد قطع الغيار.

واعترفت رابطة شركات الصرافة الباكستانية بوجود نقص في الدولار، وأشار رئيس الرابطة، مالك بستان، إلى سببين آخرين لذلك، الأول: هو زيادة الإنفاق على الرحلات الخارجية بعد الوباء، والآخر: هو الطلب على العملة من أفغانستان المجاورة بعد سيطرة طالبان العام الماضي.

وكان لدى شركات الصرافة دولارات محدودة حتى قبل بضعة أشهر، لكنَّ العملة الأميركية نفدت الآن، وفقاً للصرّافين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم أثناء مناقشة السوق السوداء غير القانونية للعملة.

وقال الصرافون إنَّ عمليات الشراء في السوق السوداء غير متاحة على نطاق واسع، ولا توجد سجلات رسمية للمعاملات.

وأشار الصرافون إلى أنَّ أحد مصادر توفر الدولار، يتمثل في العمال المهاجرين الذين يستخدمون السوق السوداء لأنَّ سعر الصرف فيها أفضل. انخفضت التحويلات الرسمية في أكتوبر إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر.

كما قال الصرافون إنَّ الشركات غير القادرة على تسوية التعاملات لدى البنك المركزي، تحوّلت إلى السوق السوداء أيضاً.

إنَّ ما لا يقل عن 1000 حاوية من المواد الغذائية توقفت في موانئ كراتشي هذا الأسبوع، بسبب عدم تسوية المعاملات لدى البنوك جراء نقص العملات الأجنبية، وفقاً لمجموعات صناعية محلية.

كما حذّرت الشركات المصنّعة للأدوية من حدوث نقص، بعد عدم تمكّنها من استيراد المواد الخام.

وفي خطاب إلى وزارة المالية في 5 ديسمبر، كتبت شركات الأدوية أنَّ البنك المركزي قرّر في سبتمبر الموافقة على تسوية المعاملات التي تقل قيمتها عن 50 ألف دولار في غضون يومين، لكنَّ الوضع لم يتغير، واستغرق الحصول على الموافقات أكثر من شهرين.

وتضيف هذه الظاهرة باكستان إلى الأسواق الناشئة التي شهدت أسعار صرف موازية، بما في ذلك الأرجنتين، ولبنان، ونيجيريا.

وعلى الرغم من أنَّ علاوة 10% فوق السعر المعلن لصرف الدولار ليست كبيرة بشكل خاص؛ لكنَّ ظهور السوق يمكن أن ينتزع السيطرة على النقد الأجنبي بعيداً عن السلطات المعتادة، مما يؤدي إلى تأثير سلبي على الاستثمار الأجنبي وبيئة الأعمال.

وقال حسنين مالك، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة والنامية في شركة الأبحاث “تيليمر” (Tellimer) في دبي: “من الواضح أنَّ الوصول إلى الدولارات محدود، مما يؤثر على المستوردين والتحويلات عبر القنوات الرسمية”.

علاوة على ذلك، قد تشير علاوة الدولار في السوق غير القانونية إلى مزيد من الضعف الذي ينتظر الروبية الباكستانية، حتى بعد أن فقدت أكثر من خُمس قيمتها مقابل الدولار منذ بداية 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى